لا يشك احد أن الحرب اليهودية على الأمة الإسلامية تسير وبطرق متوازية في عدة اتجاهات فحرب عسكرية من جهة وحرب إعلامية من جهة أخرى وتشويه للتاريخ وتدمير للأخلاق وتضييع للقيم في اتجاه آخر وهكذا, ومن المحاور المهمة التي تشغل حيزا في الحرب على الإسلام هي الحرب الفكرية والعقائدية وحرب تغيير المفاهيم والثوابت عند المسلمين, ومن حلقات تلك الحرب الفكرية تغيير وتمييع القواعد التي يُبنى عليها الدين الإسلامي.
والدَعْوَة إلى الحوار بين الأديان والتي هي في الحقيقة مسخ للأديان,تمثل مشروعا لتنفيذ تلك الحرب على العقائد والقيم الإسلامية, لأن أعداءنا يعرفون أن سر قوة المُسلمين وثباتهم هو في تمسكهم بعقيدتهم ودينهم.
إن كتاب (ذرية إبراهيم) تم اختيار اسمه بعناية ليؤدي الهدف المتوخى منه هو تحقيق أكبر فائدة للدوائر التي تقف وراء نشره وكما يقال الكتب من عناوينها.
ومؤلف الكتاب اليهودي المتطرف "روبن فايرستون" من معهد هارييت وروبرت للتفاهم الدولي بين الأديان " اللجنة اليهودية الأمريكية" ومشاركة آخرين منهم: د. ستيفن ستاينلايت والمحرر التنفيذي للنص الإنجليزي: الحاخام جيمز أ.
إن هذا الكتاب يعد محطة من محطات تلك الحرب على مفاهيم المسلمين وثوابت دينهم , وُضِعَتْ على صورة الغلاف آية من كتاب الله، ألا وهي {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }[1].والغاية من وضع هذه الآية بهذه الطريقة على غلاف كتاب يهودي من الطراز الأول ما هي إلا حيلة يهودية لاصطياد قليلي المعرفة والمغفلين من المسلمين للوقوع في شباك تلك الدعاوى اليهودية وعلى هذا فإنه يمكننا إجمالي الغايات من تصدير الكتاب بالآية بالأتي:
1- الدعوة إلى التقريب بين الأديان والدعوى بأن المسلمين واليهود هم من ذرية واحدة ألا وهو إبراهيم عليه السلام وبالتالي القبول باليهود المغتصبين كأمر واقع ومقبول .
لقد تم نشر هذا الكتاب والدعاية له بشكل واسع وكبير حتى قام اليهود بإرساله على البريد الالكتروني بنظام بي دي أف (pdf ) إلى الشباب و يوزع على بعض أندية ونوادي "الروتاري" و"الليونز" في مصر وبقية المنطقة العربية .
كما أنه وُضِعَ في الصفحة الأولى لموقع وزارة الخارجية الإسرائيلية على شبكة النت !! كل ذلك إنما يدل على أهمية الكتاب بالنسبة لهم .
بعد هذه المقدمة فلنناقش بعض المسائل الخطيرة التي وردت في هذا الكتاب ، وإن لم نعرج على أكثرها. لمعرفة ما هو مستوى التأثير السلبي الذي سميثله – الكتاب - على عقائدنا كمسلمين .
بعد العنوان (ذرية إبراهيم )ورد في مقدمة الكتاب : نحن في اللجنة اليهودية الأمريكية ، ميالون تماما نحو هذا الواجب، بسبب عاصفة التحضر التي تلوح في الأفق الآن، وبسبب الأهمية الهائلة لما نراهن عليها في حوار الأديان.ص8
عنوان الكتاب (ذرية إبراهيم ) يوحي إلى الوحدة السلالية والنسبية بين الأديان السماوية الثلاثة الإسلام والنصرانية واليهودية إذ إن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء كما هو معروف . والقصد من اختيار هذا الاسم هو تضييق الهوة العقائدية بين تلك الأديان, والإيحاء بأن الأديان الثلاثة تنبع من منبع واحد وتعاليمها تستقيها من نفس المصدر!. فلماذا الاختلاف حينئذ وإثارة الكراهية بين أتباع تلك الديانات؟ , تلك شبهة قديمة والقوم يعيدون اجترار القديم دائما وإعادة بثه من جديد , لقد رد سبحانه وتعالى على تلك الشبهة حيث قال جل شأنه: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )[2], وقال تعالى : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )[3]. إذا ملة إبراهيم هي الإسلام لله تعالى وتوحيده والأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وإقامُ الصلاة وإيتاء الزكاة.
لِيَعْلمْ من يقف خلف هذه الأنواع من الكتب, أن النسب ليس له أهمية في ديننا إلا إذا تأطر بإطار الشرع الحنيف فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى ملأ من الناس يُثبِتُ هذه القواعد ويقرر أن الانتساب إلى الدين قبل العرق والنسب هو الأصل فقال صلى الله عليه وسلم: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة [ بنت محمد ] أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها.[4] وفي سنن الترمذي قال صلى الله عليه وسلم : وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. [5]
وأيد ذلك الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه حيث قال جل وعلا : {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ }.[6]
وَكما يُعلم أن النبي نوح عليه السلام كان ابنه كافرا ، وإبراهيم عليه السلام كان أبوه كافرا ، وزوجة لوط ونوح كافرتين ، وزوجة فرعون مؤمنة . فلا علاقة للأنساب في التقرب إلى الله بل العمل هو الذي يقيم الأشخاص .
وإن كان القصد من العنوان أن الديانات الثلاثة منبعها واحد فلم الخلاف ؟ نقول إن هذه الديانات أصولها التوحيدية واحدة صحيح, بل دين الأنبياء كله واحد من ناحية التوحيد والعقيدة ولكن أين اليهود والنصارى من هذا التوحيد؟، فإن كانوا صادقين في اتباعهم موسى وعيسى عليهم السلام فليكونوا مسلمين؛ لأن التوراة والإنجيل بشرت بمحمد صلى الله عليه وسلم .
وقد ألفت كتب في إثبات وجود هذه البشارات مثل كتاب( تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم) للدكتور نصر الله عبد الرحمن أبو طالب وكتاب (محمد رسول الله في التوراة والإنجيل) للدكتور محمد عبد الخالق شريبة والكتاب الفذ الذي ألف في بابه وهو( محمد في الكتاب المقدس ) للقس البروفسور الذي أسْلمَ عبد الأحد داود الموصلي ، فإن كانوا حقا يتبعون التوراة والإنجيل فليؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم .
إن اليهود والنصارى الآن هم في صدام مع موسى وعيسى عليهما السلام فأصبحت تلك الديانتان ديانات شركية وثنية وهذا موضوع طويل ولكن باختصار, فإن بولس قد حرف النصرانية حتى صارت ديانة أقرب للوثنية منها إلى الديانة التوحيدية فعيسى عليه السلام هو الإله عند النصارى وقد تجسد بصورة بشر و صلب وجلد هذا الإله بعد ذلك : ومن أقوال بولس الكفرية : "المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد" (رومية9/5) ومثله قول توما للمسيح: "ربي وإلهي " (يوحنا 20/28( .
وكذلك قال بطرس له: "حاشاك يا رب" (متى 16/22)، وقال أيضاً: "هذا هو رب الكل" (أعمال 10/36)، وجاء في سفر الرؤيا عن المسيح: " وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب : ملك الملوك ورب الأرباب" (الرؤيا 17/14) كل هذه النصوص تدل على إلوهية المسيح عند النصارى .
إن عدم الدليل المعتمد على الإسناد الصحيح جعل النصارى يحرفون في طبعات الأناجيل، ومن ذلك إضافتهم نص التثليث الصريح الوحيد في (يوحنا (1) 5/7) ومثله في قول بولس "الله ظهر في الجسد" تيموثاوس(13/16) فالفقرة كما قال المحقق كريسباخ: محرفة، إذ ليس في الأصل كلمة "الله" بل ضمير الغائب "هو"، ومن الممكن أن يعود على الله أو على غيره , ويستمسك النصارى بالألفاظ التي أطلقت على المسيح لفظ الألوهية والربوبية، ويرونها دالة على إلوهية المسيح، وفي أولها أنه سمي يسوع، وهي كلمة عبرانية معناها: يهوه خلاص.
وكمثال على مدى الشرك والانحراف الذي حدث في الكنيسة فهذا سؤال ورد في كتاب مئة سؤال وجواب[7] : هل المسيح هو الله أم ابن الله ؟؟!!!
وهذا نصه : سألتني إحدى البنات الصغيرات في مدارس التربية الكنسية هل المسيح هو الله أم ابن الله؟
فأجبتها : إن أي ملك هو ابن ملك , فعندما نقول عنه إن هذا هو الملك يكون كلاما صحيحا , وعندما نقول إنه ابن الملك يكون كلاما صحيحا أيضا لأنه من الجنس الملوكي فهو ملك ابن ملك فالسيد المسيح هو الله بسبب جوهره الإلهي مع الأب فيه وهو ابن الله بسبب أنه كلمة الله المولود من الأب قبل كل الدهور وكل من هو مولود فهو ابن .
أيستقيم هذا الشرك والكفر الصريح مع عقيدة التوحيد الخالصة عند المسلمين أيستوي هذا مع قوله تعالى : }قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)[8]
كيف يجتمع هذا مع قوله تعالى:} لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {.[9]
وقوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }[10]
أما في توراة اليهود وفي تلمودهم من الشرك والكفر بالله ووصف الأنبياء بالنقائص ماالله به عليم فقد ورد في (سفر التكوين) ( 2/1-3 ):" أن الله - سبحانه وتعالى- لما خلق الخلق في ستة أيام فإنه تعب واستراح في اليوم السابع ".
أيستقيم هذا مع قوله تعالى : {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ... الآية }[11]
وقوله تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }[12]
وفي سفر الملوك الأول (11/1-6): وصف سليمان عليه الصلاة والسلام بأنه تزوج نساءً وثنيات، وبأن نساءه أضللنه حتى أشرك بالله، وعبد أصنام نسائه الوثنيات في شيخوخته.
وفي نفس السفر(11: 9 , 10): "فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين"
و أوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى فلم يحفظ ما أوصى به الرب .
كيف يستوي وصف النبي سليمان عليه السلام بالشرك في التوراة مع وصفة بقمة التوحيد في القرآن الكريم ؟
قال تعالى في مدح سليمان عليه السلام : {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }[13] وقال تعالى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ }[14]
وعن بلقيس زوجة سليمان قال تعالى {...قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[15] هنا الزوجة تتبع زوجها سليمان وتسْلِمْ لله تعالى مع أنها ملكة عظيمة الشأن وفي التوراة سليمان حاشاه يتبع زوجاته المشركات أهذا ينبع من دين إبراهيم أيستوي من يعظم الأنبياء ومن يطعن فيهم مالكم كيف تحكمون .
لتوصيل رسالة مفادها أن اليهود قد مدحهم الله في القرآن وبالتالي فيمكن القبول بهم !!, وهذا يذكرنا بقوله تعالى ، في حق اليهود أنفسهم : {... أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }[16] نعم حين كان بنو إسرائيل موحدين وصالحين فضلهم الله على العالمين وآتاهم الحكم والنبوة ولكن عندما انحرفوا وأشركوا قال الله تعالى فيهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }[17] وقال جل وعلا فيهم : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }[18]
قال المؤلف: وفي المقام الأول فهو يبين لنا التشابه الديني والأخلاقي المدهش بين الإسلام واليهودية وبالفعل فلا توجد ديانتان أقرب من بعضهما مثل الإسلام واليهودية . فمن بين الديانات التوحيدية الثلاث تعتبر اليهودية , والإسلام أكثر قرابة . فكلتاهما تنحدر بالفعل من إبراهيم أبينا الطبيعي والروحي المشترك . إن العلم بهذا الارتباط مجهول في معظمه بين اليهود والمسلمين وقد وقع ضحية العداوة في العصور الحديثة ص8.
تعليق : أين التقارب بين الإسلام واليهودية؟, إلا أن يكون في مخيلة المؤلف, وأين التشابه الديني والأخلاقي؟, فكيف يكون من ينزه الله عن النقائص وينعته بكل أوصاف الكمال, كالذي يصف الله بأنه يتعب ويرتاح ويستيقظ ينام ويلعب وأنه يسير أمام بني إسرائيل كما تزعم التوراة والتلمود وفيه أيضا أن النبي ارميا يصف الله بالخداع وأن الرب يأمر أشعياء بأن يتعرى ويدعو بني اسرئيل وهو عار ثلاث سنوات والرب كذلك يبكي ويلطم وجهه وأنه يصارع يعقوب ويعترف بخطئه أمام كبير الأحبار كما يفترون وأن زوجة موسى خدعت الرب كما يزعم سفر الخروج والرب يخشى تجمع البشر ووحدتهم ويعشق المحارق واللحم المشوي حسب زعمهم كل هذه النقائص ينسبوها لله سبحانه وتعالى تعالى الله عما يقولون, أما بالنسبة للأنبياء فحدث ولا حرج من نسب إليهمْ قصص مفتراة لا يقوم بها أشد الفساق انحرافا وخسة, فهم يتهمون نوحاً عليه السلام بأنه شرب الخمر وتعرى وأن لوطاً قد زنى بابنتيه وأن يعقوب خدع أخاه عيسو وأنه قد اقترف جريمة قتل, وكما ذكرَ سفر التكوين أن رأوبين بكر يعقوب ضاجع سرية أبيه بلهة ويبارك يعقوب هذه المضاجعة أما يهوذا وهو أشجع أبناء يعقوب قد زنى بكنته ثامارا كما يرويها سفر التكوين ومن سلالة هذا الزنى خرج داود وأن داود يكوَّن عصابة لقطع الطريق والفساد في الأرض, وأنه قد زنى بحليلة جاره وقائد جنده أوريا الحثي حسب زعمهم وأن أمنون بن داود البكر يزني بأخته ثمارا وأن ابشالوم دبر لاغتيال أخيه أمنون لأنه أذل أخته وعند شيخوخة داود أوصى بوصايا إجرامية وحاقدة حسب زعم التوراة المحرفة وأن سليمان عليه السلام يقوم بمجموعة من التصفيات الجسدية ويكفي أن يقرأ المرء سفر نشيد الأنشاد ليرى مدى القبح الجنسي الذي ينسب لسيدنا سليمان عليه السلام هذا غير القصص الجنسية الشاذة التي تحويها صحف توراة اليهود المحرفة .
إن تلك القصص المشينة التي تنتقص من الله وتنسب أخس الأخلاق إلى الأنبياء عليهم السلام وأولادهم والتي لا يفعلها أفجر الفجار ممن خلق الله, نجدها مبثوثة بين صحف توراة اليهود وهو ما يسمى بالعهد القديم. هذه جولة مختصرة لما يحتويه كتاب اليهود(التوراة) ولو تتبعنا كل ما هو موجود لأصابنا الغثيان والتقزز من قصص وروايات تافهة بعيدة كل البعد عن أي قيمة إنسانية أو أخلاقية فضلا أن تكون دينية ولأطلنا على القارئ الكريم .
فأين هذه الأخلاق الفاضلة التي يدعيها الكاتب في التوراة والتي تقارب ما موجود في القرآن الكريم. إن قراننا يدعوا لكل خلق سامي ورفيع وخاصة في وصف الأنبياء عليهم السلام .
فخذ مثلا ما يقول ربنا في حق إسماعيل عليه السلام {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً }[19]. وقال جل وعلا في حق لوط: {وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ }[20] وقال عز وجل في حق نوح {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }[21]
وقال تعالى في حق سليمان : {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ }[22]
وقال تعالى في حق يعقوب : {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }[23]
وقال تعالى في حق يوسف : {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }[24]
وقال تعالى في حق أنبيائه : {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }[25]
هذه عينة من كثير من الآيات التي فيها مدح للأنبياء ووصفهم بأرقى المثل العليا والأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة .
فهل من مقارنة في ما موجود في التوراة المحرفة ، وبين ما هو موجود في القرآن الكريم ؟، فهل يُساوى بين النفيس والخَسيس والثرى والثريا والرفيع والوضيع؟، بل يصح قول الشاعر في هذا :
ألم تر أن السيـف ينقـص قـدره إذا قيل أن السيف أمضى من العصا
فهؤلاء إما أنهم لم يطلعوا على التوراة ويعرفوا ما بها من كوارث ولم يطلعوا على القرآن وما يحوي من فضائل. أو أنهم اطلعوا ولكن ما وراء الأكمة ما وراءها من القصد في التقليل من قيمة القرآن ، وإنزاله إلى درك الوثنية والأخلاق الرذيلة الموجودة في التوراة ليفقد بالتالي تأثيره المبهر على النفوس .
قال المؤلف : يمثل هذا النداء الرباني بداية التوحيد وبداية تأريخ الشعب اليهودي ، الذي ينحدر من سلالة إبراهيم ، لا يعرف في الديانة اليهودية سفرلإبراهيم الذي استجاب فيه للنداء الإلهي بالهجرة كما جاء في الإسلام، لكن الديانة اليهودية ترى فيه وجه الشبه مع الهجرة كحد فاصل وكنقطة تحول إلي حالة روحانية جديدة ،تتمثل في حالة إبراهيم في العلاقة الشخصية مع الله. إن سبب نداء الله إبراهيم لم يفسر أبدا في التوراة، وبالرغم من هذا، فإن الأدب اليهودي اللاحق من القرنين الرابع والخامس ميلادي يعطي أجوبة شكل نصوص قريبة من السرد القرآني. ص17.
تعليق : ما فائدة الأجوبة الأدبية!! وبعد قرابة 2600 عام من بعث إبراهيم عليه السلام إذا لم توثق التوراة المنزلة من عند الله هذا النداء العظيم الذي من اجله خلق الله الخلق . وخاصة إذا كان الأمر متعلقا بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام. والذين يَدعون إن تاريخهم يبدأ منه علما أننا أثبتنا وفي مناسبات عدة عدم صحة انتساب اليهود المعاصرين إلى إبراهيم عليه السلام فهم من أجناس متعددة ومختلفة وقد أثبتت الدراسات التاريخية ذلك بل وحتى البحوث فيما يخص العوامل الوراثية وعلم السلالات قد أثبتت عدم صحة انتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام .
نعم لقد اثبت القرآن الكريم هذا النداء إذ قال الله تعالى : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124. ومن اظلم من اليهود الذين بدلوا دين الله وسعوا في الأرض الفساد.
قال تعالى : {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيما } النساء 160, 161
ووبعد عدة أسطر قال المؤلف: وقد يكون هذا مصدر اختيار الله لإبراهيم، لكن على إبراهيم إثبات أحقيته في هذا الاختيار ، وذلك بإظهار طاعته لإرادة الله، وقد قام بذلك. وكما ورد في القرآن 2: 124 )وَإِذِ ابْتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ(، وقد ذكر الله بعد موت إبراهيم أن ״إبراهيم أطاع قولي، وحفظ أوامري ووصاياي وفرائضي وشرائعي״ )سفر التكوين 26 : 5(. وفي الاصطلاح الإسلامي، فإن إبراهيم يعتبر المسلم المثالي لأنه أسلم كلية للإرادة الإلهية 5. وفي المصطلح اليهودي فإن إبراهيم متقي الله ومطيع أوامره. ص17
تعليق : انظر للفرق بين النص القرآني الراقي والنص التوراتي المتواضع في حق سيدنا إبراهيم عليه السلام!! فالنص الإسلامي يذكر أن الله جعل إبراهيم عليه السلام إماما مقتدى به في حياته وبعد مماته ولكن النص التوراتي يجعله مطيعا لأوامره ومتقيا وكم هم كثر الذين أطاعوا أوامر الله واتقوه, فأين ميزة إبراهيم عليه السلام على غيره من الأتقياء؟ حتى في هذه النقطة فالمسلمون هم الذين وقروا إبراهيم عليه السلام حق التوقير وليس اليهود ولو تنزلنا مع النص التوراتي وهو حق إن إبراهيم أطاع أوامر الله لكن أين اليهود من إتباع إبراهيم عليه السلام ؟.
ونختم بنص آخر لإثبات عظمة إبراهيم عليه السلام وارتفاع منزلتة ولكن من القرآن وليس من التوراة :
قل تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) } [26]
(إن إبراهيم كان أمة) إماما قدوة جامعا لخصال الخير (قانتا) مطيعا (لله حنيفا) مائلا إلى الدين القيم (ولم يك من المشركين)(تفسيرالجلالين )
قال المؤلف : ورغم القانون الإلهي، فإن بني إسرائيل لا يستطيعون العيش دوما بحسب المتطلبات الإلهية. إن الفشل جزء من الحياة الإنسانية، لكن يوجد، أيضا، في كل حالة فشل، نور الأمل لأن الله غفور رحيم، ولأن الأشخاص المستقيمين يتصرفون تصرفا بطوليا وأخلاقيا. وبسبب هذا ظل بنو إسرائيل على البقاء ودخلوا في النهاية أرض الميعاد مع أنهم شعب مذنب. فبحسب التوراة فإن الإنسان العادي ليس الوحيد الذي يقترف الذنوب، بل حتى الأنبياء والملوك.
تعليق: بعد ذكر المؤلف انحراف بني إسرائيل في عبادتهم العجل وعصيانهم لأمر نبيهم بدخول الأرض المقدسة ذكر تلك الجمل .
وكما قال صلى الله عليه وسلم عن الشيطان : (صدقك وهو كذوب) , فإن بني إسرائيل لا يستطعون العيش وفق المتطلبات الإلهية كما ذكر المؤلف .أهذه صفة القوم الصالحين؟ .
ثم إن بني إسرائيل لما دخلوا الأرض المقدسة لم يكونوا مذنبين بل كانوا شعبا مسلما صالحا فكتب الله لهم النصر بعد أربعين عاما من التيه فهم غير أولئك الذين عصوا نبيهم ولم يدخلوا الأرض المقدسة . إن في تلك العبارات التي ذكرها المؤلف تبرير وتسهيل للذنب ومعصية الله وهذا لايستغرب عن اليهود الذين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه .
ثم نرجع للمسألة المهمة في تلك العبارات ألا وهي عدم تأدب المؤلف مع أعظم نبي عند اليهود عندما نعت موسى عليه السلام بالفشل حاشاه بل هم الفاشلون . إن عدم الاحترام هذا نابع من دينهم وتوراتهم التي وصفت الأنبياء خيرة خلق الله بأبشع العبارات والصور فلا عجب أن يسير الكاتب على خطى التوراة المحرفة التي يستقي منها دينه وعقيدته .ولا أجد وصفا لحالهم وحالنا مع أنبياء الله إلا قوله تعالى : {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }[27]
قال المؤلف : لقد قارن بعض العلماء التلمود اليهودي بالحديث الشريف في الإسلام. وبالفعل يوجد عدد من أوجه الشبه بينهما بالرغم من وجود فوارق مهمة بينهما أيضا. لقد ظل كلاهما شفهيا عدة أجيال قبل تدوينهما. وحفظ كلاهما عددا كبيرا من المعلومات حول طريقة الحياة بحسب الإرادة الإلهية التي لم تكن بينة بشكل مباشر في نصوص التوراة أو في القرآن. كلاهما يعتبر ملزما بالرغم من أنهما ليسا مثل نص الكتاب المقدس. كلاهما يوفر أسماء الأشخاص الذين نقلوا أو شاهدوا التقليد.ص36.
تعليق : هذه محاولة أخرى من كاتب هذا الكتاب للتمويه وخلط الأوراق لكن على من ؟ كما بينا سابقا على قليلي الفهم والمعرفة وإلا عوام المسلمين لا تنطلي عليهم مثل تلك الألاعيب المكشوفة النوايا والأهداف . وإلا فهل يُقارَن الحديث النبوي الشريف بالتلمود تلك إذا قسمة ضيزى . في فترة من الفترات أخفى اليهود التلمود وذلك بعد أن اطلع النصارى على مافيه من كوارث فصُعِقوا مما شاهدوا فيه من استحلال للأنفس والأموال والأعراض بغير وجه حق وما فيه أيضا من استخفاف بالذات الإلهية !! .
ليس أصلا من الإنصاف المقارنة بين تدوين السنة والتلمود ولكن بما إن المؤلف قد طرح تلك المقارنة فلنتكلم باختصار عن السنة وتدوينها .
أولاً : كما هو معلوم إن البدء بتدوين السنة كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وتابعيهم . ففي الحديث الذي رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : "كنت أكتب كل شي أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا تكتب كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: (اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق )"[28]
وفي حديث آخر : طلب رجل من أهل اليمن يوم فتح مكة من الصحابة أن يكتبوا له خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال: (اكتبوا لأبي شاه ).[29] ، وغيرها من الأحاديث التي تثبت الكتابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : أما في زمن الصحابة رضوان الله عليهم فقد كتبَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأنس بن مالك فرائض الصدقة التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم. و كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعتبة بن فرقد بعض السنن، ووجد في قائم سيفه صحيفة فيها صدقة السوائم. و كان عند علي رضي الله عنه صحيفة فيها العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر.
ثالثاً: وفي زمن التابعين كتب عمر بن عبد العزيز بن مروان إلى أبي بكر بن حزم عامله على المدينة: "انظر ماكان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سنة ماضية، أو حديث عَمْرة فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله ". وأراد منه أن يكتب ما عنده عَمْرة بنت عبد الرحمن الأنصارية (ت98هـ ) والقاسم بن محمد بن أبي بكر ( ت120هـ ). وكتب عمر إلى علماء المدن الإسلامية الأخرى:" انظروا إلى حديث رسول الله فاجمعوه ". أما المحاولة الشاملة فقد قام بها إمام آخر هو ابن شهاب الزهري ( ت124هـ ) حيث استجاب لطلب عمر بن عبد العزيز، فجمع حديث المدينة وقدمه إلى عمر بن عبد العزيز الذي بعث إلى كل أرض دفتراً من دفاتره. وكانت هذه هي المحاولة الأولى لجمع الحديث وتدوينه بشمول واستقصاء. وممن اشتهر بوضع مصنفات للحديث في مراحل متقدمة محمد بن إسحاق (ت151هـ ) بالمدينة وهو: صاحب السيرة النبوية المشهورة باسمه، وقد اختصرها ابن هشام. والإمام مالك بن أنس (ت179هـ ) بالمدينة حيث صنف (الموطأ ) وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ، وعبد الله بن المبارك (ت181هـ ) بخراسان. و عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211هـ ) في كتابه المشهور (المصنف ). وتبعهم المصنفين مثل الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم كثير . وهذا موضوع طويل حاولنا اختصاره قدر الإمكان .
رابعاً : لقد اتبَعَ أهل الحديث في حفظهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوثيق صحة نسبته إليه صلى الله عليه وسلم طرقاً معقدة جدا ودقيقة فلكل حديث هنالك سند من الرجال يشترط وصوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنالك دراسة معمقة لكل رجل من رجال السند يشترط فيه أن يكون عدلا وضابطاً وأن يكون قد ثبت سماعه من الرجل الذي قبله في سند الحديث وهنالك علوم متعلقة بعلم الحديث منها علم علل الحديث وعلم الجرح والتعديل وكتب التاريخ وغيرها من العلوم وَوُضِعَ لِكلِ ذلك كتب متخصصة تعد بالمئات إن لم تكن بالآلاف . لقد شهد العدو قبل الصديق على أن المسلمين هم الأمة الوحيدة التي حفظت كلام نبيها بهذه الطرق التي اختص بها المسلمون دون غيرهم .
التلمود : بعد هذه الإشارات المختصرة عن السنة النبوية وتدوينها وطرق حفظها فلنتعرف قليلا على التلمود .
أولاً : التلمود في اللغة: كلمة عبرية مستخرجة من كلمة (لامود Lamud) وتعني تعليم أو تعاليم.
وفي الاصطلاح: كتاب تعليم ديانة ، وآداب اليهود، أو كتاب فقه اليهود، أو الكتاب العقائدي الذي يفسر ويبسط كل معارف اليهود وتعاليمهم .
والتلمود يقسم إلى( الميشناه ) ، وهي الشريعة اليهودية الشفوية دونت بواسطة الرابي يهوذا هاناسئ إيهوذا الأمير عام 200 م ، وفي القرون الثلاثة اللاحقة خضعت الميشناه للتحليل والدراسة في كل من فلسطين وبابل (أكثر أماكن تواجد اليهود في العالم في ذلك الزمان) ذلك التحليل والدرس عرف باسم الجمارا Gemara גמרא، وحاخامات الجيمارا عرفوا باسم أمورايم . فالميشناة والجمارا سوية تسمى بالتلمود .
ويزعم اليهود بأن تلك الشرائع والروايات قد تلقاها موسى من الله ثم نقلها موسى مشافهة إلى هارون ويوشع واليعازر الذين نقلوها بدورهم إلى الأنبياء الذين نقلوها أيضا إلى أحبار اليهود (علمائهم) وتناقله بعد ذلك الأجيال من الأحبار جيلا بعد جيل عن طريق المشافهة إلى أن جمعها ودونها الحاخام (يهوذا هاناسئ)، ولذلك فإن اليهود يسمون المشنة بـ(التوراة الشفوية) أو (الشريعة الشفاهية) وقد كتبت باللغة العبرية .
وهنالك التلمود الفلسطيني أو الأورشليمي والتلمود البابلي والتلمود البابلي يتمتع بتقدير أعظم في أعين اليهود من الأورشليمي، وهو المتداول بين اليهود والمراد عند الإطلاق.
والتلمود مجموعة تفاسير وشروح وأخبار وإضافات وأحكام وضعها حكماؤهم وربانييهم والمجتهدون منهم، وهو كبير الحجم يزيد عن عشرين مجلدا وضعت في عصور مختلفة وأحوال متباينة، وذلك أنه لما كثرت التقاليد وتشعبت أطرافها، وازداد عدد الكتاب والمجتهدين الناظرين في هذه الشريعة وكثرت الأحكام الصادرة من المجامع في الشؤون المختلفة، قام سمعان بن جاملئيل وتلامذته على تنسيق تلك التقاليد والنظر فيها، فجمعوا ما تيسر لهم جمعه منها، وعكفوا على غربلته وتبويبه، وظل العمل سائرا كذلك إلى أن أتمه يهوذا هاناسئ (أعني الرئيس) وتلامذته نحو سنة 316 ب م.
ثانياً : يعترف شاهين مكاريوس اليهودي بوقوع التحريف حتى في التلمود المختلق، فقال: "وأما التلمود البابلي، فكان الفراغ الأول منه نحو أواخر القرن الخامس، ولم يمض زمن طويل حتى اعتور التلمود تحريف وأدخل فيه تقاليد لم تكن هناك، وأضيف إليه تفاسير وشروح وفتاوى جديدة، وسبب ذلك أن التلمود لم يكن قد قيد بعد في الكتب والدفاتر، فكان تحريفه سهلا، ثم إن انتشار اليهود في أنحاء الأرض وكثرة المدارس والجمعيات اليهودية التي نشأت معهم أينما حلوا، جعلت فرقا في أحوالهم بحسب تباين تلك الأحوال، فكانت الأحكام الصادرة من هذه الجمعيات في المكان الواحد تباين في بعض الأحايين أحكام جمعيات أخرى في مكان آخر، ولما كثر التحريف والزيادة قام أحد علمائهم المشهورين وعني بتأليف التلمود ثانية بمعونة تلامذته ومريديه وكتبته، وقضى ستين سنة في التحبير والتحرير والتنقيب والتهذيب، وجاء بعده غيره فسعى سعيه واقتفى خطواته، فتم بذلك هذا العمل وجاء كتابا كبيرا كما تقدم الكلام، وهو بمثابة انسكلوبيديا كبيرة.
ويؤكد ذلك المهتدي السموآل بن يحيى المغربي (المتوفى سنة 570هـ) - وكان من أحبار اليهود فأسلم - في كتابه (إفحام اليهود) في بيانه لحقيقة التلمود بقوله: ثم إن اليهود فرقتان:
إحداها: عرفت أن أولئك السلف الذين ألفوا (المشنا) و(التلمود) وهم فقهاء اليهود، قوم كذبوا على الله تعالى وعلى موسى النبي (عليه السلام)، أصحاب حماقات ورقاعات هائلة!! من ذلك، أن أكثر مسائل فقههم ومذهبهم يختلفون فيها، ويزعمون أن الفقهاء كانوا إذا اختلفوا في كل واحدة من هذه المسائل، يوحي الله إليه بصوت يسمعه جمهورهم، يقول: (الحق في هذه المسألة مع الفقيه فلان)!!، وهم يسمون هذا الصوت (بث قول)" .أما عن تلمود أورشليم، فيقول محرر دائرة المعارف اليهودية العامة: "النص الحالي لتلمود فلسطين في حالة فاسدة جدا، والنساخ الذين نقلوه لم يترددوا في تصحيحه كلما وجدوا أن المعنى بعيد عن إدراكهم، وقد تكرر وقوع ذلك كثيرا بسبب أسلوب التلمود البليغ، وبسبب لغة النص غير المألوفة. ومشكلة النص هذه أدت إلى زيادة هذه الأخطاء، التي يقع فيها النساخ، مثل وقوع التباس بين حروف متشابهة، وحذف حروف، وترك سطور، وإساءة فهم الرموز.
ومما يدلنا أيضا على زيف التلمود وتزويره، اختلاف اليهود فيما بينهم على قداسته، بل إنكار طوائف كثيرة منهم قديما وحديثا لكتاب التلمود، ومن تلك الطوائف والفرق اليهودية. فرقة القرائين ، حيث يقول شاهين مكاريوس عنهم: "وفي القرن الثامن بعد الميلاد قام أحد العلماء في بغداد وتبعه فرقة رفضت التلمود، واكتفت بما في التوراة بغير تفسير، وهذه الفرقة تسمى اليهود القرائين" .
ومنها فرقة السامريين، ويقول عنهم شاهين مكاريوس:"والسامرة يتمسكون بالتوراة ويرفضون التقليد (يعني التلمود)، وقد بقي منهم إلى عصرنا الحاضر نحو ثلاثمائة، وهم في نابلس"وغيرهم من الفرق اليهودية .[30]
بعد هذه المقدمة المختصرة عن التلمود نقول بإذن الله : ونعيد انه لا يمكن المقارنة أصلا بين الحديث النبوي الشريف وبين التلمود لذلك نلخص للأتي :
أولاً : الحديث قد دون كل على حدة وبإسناد مستقل عن بقية الأحاديث بل لكل حديث ربما هنالك الكثير من الأسانيد .
نقول أين أسانيد التلمود المستقلة الخالية من الانقطاع والتي تبين حالة رواتها .
ثانيا : كما قلنا إن الأحاديث كل حديث لوحده أما التلمود فقد نقل جملة واحدة .
ثالثا : إن الحديث الشريف نقل من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشره
أما التلمود فهو عبارة عن أحكام وفتاوى وتقريرات جمعت على فترات من الزمان لعلماء وحكماء اليهود كما يدعون .
رابعا : وهي من أهم المسائل ، فالحديث الشريف قد دون فعليا قرابة ال125هـ أي في زمن التابعين الذين عاصروا الصحابة الكرام والذين شهدوا التنزيل وهي فترة قصيرة جدا ربما حلقة الوصل فيها هي جيل واحد .
أما التلمود فقد كتب وجمع في القرن الرابع الميلادي تقريبا أي بعد حولي 2200 سنة من حياة موسى عليه السلام وكما هو معلوم أن الأسانيد كلما تطول يدخل فيها الخلل ، هذا إن كان هناك أسانيد أصلا فكم تعاقبت أجيال وكم تعرض اليهود للحروب والاجتثاث فمن المستبعد أن تنقل تلك الأخبار بطريقة موثقة ثم أين الطرق الموصلة وما هي دقة اتصال السند علما أن هنالك أكثر من تلمود كما أن عدم الاتفاق على وجوده قد صدر من اليهود أنفسهم كما بينا سابقا .
وللعلم فان التوراة نفسها الموجودة الآن لا يمكن إثبات نسبتها إلى موسى عليه السلام فقد تحدى الشيخ رحمة الله الهندي بعض القسيسين في محفل المناظرة أن يأتوا بالسند المتصل لأسفارهم فاضطروا للإعتراف بأنهم لا يملكون سندا متصلا لأسفارهم. [31]
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصف كتاب اليهود الذي كتبوه فقال : " إن بني إسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه و تركوا التوراة "[32]. قال الشيخ الألباني رحمه الله : و يشهد للحديث قوله تعالى في اليهود و غيرهم : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ، فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }[33]. إذا فلا وجه لأي مقارنة أو تشابه بين السنة والتلمود إلا في مخيلة من يريد أن يصطاد في الماء العكر ويريد أن يخلط المشهد على القارئ ليُضِيعْ الحقيقة ولكنها محاولة فاشلة ولن تنطلي على المسلمين بإذنه تعالى .
قال المؤلف : لقد اختلف اليهود حول وجود التوراة قبل الخلق، لكن القضية لم تصل إلى درجة الخلاف الإسلامي الكبير في القرن التاسع عن المحنة حول خلق القرآن الذي بدأه المعتزلة. لقد نقِلْ عَن الحاخامات في التلمود أنهم يدرسون أن التوراة المكتوبة بنار سوداء على نار بيضاء قد سبقت وجود العالم بألفي سنة . ومال فلاسفة العصور الوسطى إلى عدم الموافقة مع فكرة أزلية التوراة أي أنها لم تخلق،ولكن الخلاف مستمر منذ قرون. وظل هذا البرهان، مثل معظم الخلافات الدينية في اليهودية، دائما أكاديميا دون إنزال أية عواقب ضد من يتخذ أي من الموقفين.ص77.
تعليق : في هذه الجمل يحاول المؤلف أن يغمز المسلمين كعادة يهود وسلوكهم المعروف مثل قولهم راعنا أو السام عليكم ويقصدون به معنى أخر .
حدث هذا الأمر في التاريخ الإسلامي وهي فتنة خلق القرآن وغيرها من الفتن ثم ماذا ؟ . ما علاقة هذا بالموضوع . فهل هذا يُنقِصْ من صِحة نِسبَة ديننا لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أم هل يقلل من سمو شريعتنا وَكمالِها . وهبْ جَدَلا أن ليس هنالك أي مشكلة حدثت بين طوائف اليهود فهل هذا له علاقة في صحة نسبة دينهم لموسى عليه السلام أو له علاقة بسلامة دينهم من التحريف والتبديل .
لنناقش الشبهة من أولها أن فتنة خلق القرآن التي حدثت للمسلمين أبان حكم المأمون تتلخص في ادعائهم أن القرآن هو مخلوق كباقي المخلوقات, وهذا خلاف النص القرآني في أن القرآن كلام الله غير مخلوق وهو صفة من صفاته , قال تعالى :{...وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً }[34], وقال تعالى {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ... }[35]. فالكلام منسوب إلى الله وصفة من صفاته وهذا مذهب الصحابة والتابعين ومن تبعهم من أئمة المسلمين يفهم من هذا :
1- إن الخلاف لم يتم في عصر الصحابة ومن بعدهم بل في عهد المأمون .
2- إن الخلاف لم يكن بين أئمة المسلمين ومجتهديهم بل مع فرقة ضالة ومنظريهم ممن لم يكن لهم سهم في الإسلام ولم يشتهروا بالإمامة في الدين أو علم بالحديث أو الفقه .
3- إن الخلاف انتهى بنصرة أهل السنة وعلى رأسهم الإمام أحمد وانتهت تلك الفتنة بإذن الله تعالى دون حروب أو معارك .
ثم لِيُعلمْ أن من حكمة الله في خلقه أن يُبْتلى المؤمنون فكم أبْتلي الأنبياء والأولياء بل ان بني إسرائيل ابتلوا بظلم فرعون . كل ذلك ليختبر الله صبر المؤمنين وثباتهم على دينهم حتى يظهر الحق وَيسْطع بَريقه, ومن حِكمَةِ الله أن لا يُعرف الحق إلا بوجود نقيضه وَهوَ الباطل وهذا ما حَدث للإمام أحمد في فتنة خلق القرآن ، حيث خرج المسلمون بعد هذه الفتنة أقوي وأشد وخفتَ الباطل وذاب وانتهى .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة الدين الذي يتعرض للزلازل والمحن ويصمدْ دون أن يتغير منه شيء أو يَضْعُف تمسك أتباعه به .
أما ما ذكره المؤلف من الخلاف في التوراة من أن التوراة أزلية أو لا, فليُعلمْ أن أشد أنواع الخلاف هو الخلاف العقائدي لأن الأمر فيه لا يَحْتمِل قولا ثالثا، فهو إما كفر أو إيمان لان الأمر يتعلق بالعقيدة فعدم اتخاذ موقف من الفريق المخطئ يعد مجاملة له في أمر ديني خطير!! , وهذا ُيحْسَبْ علامة ضعف عند اليهود أي بعبارة أخرى أن لكل الحق في إضافة ما يعتقد من الأفكار إلى الدين اليهودي دون رقيب أو حسيب ويظل الخلاف حبيس الغرف المغلقة والنقاش الأكاديمي .
إن المؤلف يحاول إعطاء صبغة مثالية للخلاف بين اليهود وهذا غير صحيح فاليهود من أعتى الفرق في الخلاف فيما بينهم .فعلى سبيل المثال المسيح عليه السلام ماذا كان ذنبه ألم يأتي بدين وشريعة؟، أو فكرة معينة قابلة للنقاش والحوار حسب التعبير اليهودي ماذا كان جزاؤه؟، لقد تعاون كهنة اليهود مع الرومان لقتله ولكن نجاه الله تعالى فهم قتلته حُكما. لماذا لم يُجْعَل الخلاف مع المسيح عليه السلام حبيس الغرف المغلقة والنقاش المثالي الشفاف؟.لقد حاربوا المسيح بعنف وقد وثق هذا الله في كتابه الكريم فقال جل وعلا : {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ إتباع الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }[36]. والنبي يحيى عليه السلام كذلك قتل وقطع رأسه من أجل فتوى لم ترق للملك !!.
وإنجيل النصارى يثبت تآمر اليهود على المسيح عليه السلام :
في (مر25:15) وكانت الساعة الثالثة فصلبوه ، وفي (يو14:19) وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة فقال (بيلاطس) هو ذا ملككم.. فحينئذ أسلمه اليهود ليصلب.
وهذه فرقة (القرائين) اليهودية والموجودة في فلسطين التي دعت للتمسك بالتوراة وترك التلمود, لقد عادَتْ الطوائف اليهودية تلك الفرقة واشتد الصراع بينهما حتى وصل الأمر إلى أن أصدر الحاخامون قرارا بإقصائها من اليهودية وحرموا الزواج منهم وان من يولد من تلك الزيجات لا يعد من شعب الله المختار, لماذا لم يكن الخلاف معهم أكاديميا وحبيس الغرف ؟ !!.
وهذه فرقة (إعادة بناء اليهودية) يحاربهم اليهود الأرثوذكس وهم الغالبية بشدة ويصدرون البيانات ضدهم .
إن الإيحاء بأن اليهود أمة مثالية ومتكاتفة هي أفكار يحاول المؤلف بثها لتلميع اليهود وعرضهم بطريقة مثالية ومقبولة .وإلا فإن اليهود أمة الشقاق والنفاق ففي فلسطين كانت هنالك مملكتان لليهود المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية .
يقول الأستاذ عبد الوهاب المسيري : أما قبيلتا يهودا وبنيامين، فقد ظلتا متمسكتين ببيت داود ومصرتين على فرض السيطرة الدينية والسياسية على القبائل العبرانية كافة. واتسمت المملكة الجنوبية (يهودا) بالميل إلى الانغلاق مع استمرار العداوة قائمة بينها وبين المملكة الشمالية طوال تاريخهما، وقد كانتا تدخلان في تحالفات مع الدول المجاورة في صراعهما الواحدة ضد الأخرى. [37]
وهنالك سؤال مثير للانتباه لماذا قتل إسحاق رابين من قبل متدين يهودي وهو ذو السجل الحافل في خدمة اليهود ومن بينها انتصار ال67 على العرب يغال عمير هو الذي قتل رابين وهو يهودي متدين ومتشدد أكد انه ينتمي إلى اليمين المتطرف فقد أصدر في حقه 54 حاخاماً يهودياً إلى عدم تسويق فكرة أن هذه الجريمة البشعة تمت باسم التوراة وفي خدمة شعب وأرض إسرائيل.
إذا منطلق عمير هو ديني وباسم التوراة وفي خدمة شعب وأرض إسرائيل وقد تعاطى مع الخلاف الديني بينه وبين إسحاق رابين بالقتل وليس بالحوار الهاديء والأكاديمي . إن الخلافات بين اليهود أكبر مما نتصور ولا تكفي هذه الكلمات لبيانها وصدق قول الله تعالى فيهم :{... وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ