جاسوسية اسرائيل
رغم العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين مصر وإسرائيل منذ معاهدة السلام في مارس 79 إلا أن تل أبيب لا تكل ولا تمل في محاولاتها الدائمة لزرع جواسيس وشبكات استخباراتية في الأراضي المصرية، الأمر الذي يبرز وجاهة الرأي القائل بأن ''كامب ديفيد'' فقط حولت حالة الحرب من معلنة ساخنة إلى أخرى باردة تدار من خلف الكواليس.
وكانت دائماً ولاتزال المخابرات المصرية وأجهز الأمن في حالة تأهب مستمرة للتصدي لمثل هذه المحاولات، وبحسب التقارير المعلنة هناك ما يقرب من 30 شبكة تجسس تم كشفها في آخر عشرين عام، وكلها تعمل لصالح إسرائيل إلا شبكة واحدة تم كشفها لصالح الولايات المتحدة، وأشارت تقارير إلى أن 75% ممن يتم تجنيدهم في هذه الشبكات التجسسية مصريين الجنسية. ونشير هنا لعدد من قضايا التجسس الشهيرة منذ قضية إبراهيم مصباح في 1990 إلى القضية المثارة حالياً للمتهم طارق حسن في 2010 .
ففي عام 1990 ألقت الأجهزة الأمنية القبض على ''إبراهيم مصباح عوارة'' لاشتراكه مع أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية في تحريض الفتاة المصرية ''سحر'' على ارتكاب جريمة التخابر ضد مصر، وكانت سحر قد رفضت التجسس على وطنها وأبلغت أجهزة الأمن المصرية بمحاولة تجنيدها، وتم ضبط العميل وصدر ضده حكم بالسجن 15 سنة.
و عام 1992 تم إسقاط شبكة ''آل مصراتي'' الشهيرة التي ضمت (صبحي مصراتي ونجليه ماجد وفائقة) وقد اعترفت ''فائقة مصراتي'' الجاسوسة الإسرائيلية في التحقيقات بأن الموساد جندها للعمل لديه منذ سنتين عن طريق المتهم ''ديفيد اوفيتس''، والذي تولي تدريبها على جميع المعلومات عن الأهداف العسكرية والإستراتيجية والشخصيات العامة في مصر، ورغم صدور حكم ضد الجواسيس الأربعة إلا أن مصر أفرجت عنهم وبادلتهم بعدد من المصريين المقبوض عليهم في تهم مختلفة داخل إسرائيل.
وشهد عام 1996 القبض على أخطر جاسوس إسرائيلي ''عزام مصعب عزام'' صاحب أشهر قضايا التجسس التي نالت إهتماماً إعلامياً وجماهيراً كبيراً، قضت المحكمة بحبسه 15 عاماً بعد اكتشاف تزعمه لشبكة تجسس لصالح إسرئيل ومحاولته تجنيد شباب مصريين.
وظهر اهتمام القادة الإسرائليين بعزام عزام حتى أن ''داني نافيه'' مستشارة رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون، زارته بسجنه ومعها مندوب من السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وقد طلب صاحب قضية التجسس الأشهر ضرورة الإسراع في محاولات الإفراج عنه.
وبعد مرور ما يقرب من ثماني أعوام على حبسه، أي منتصف مدة العقوب تقريباً، ومع إلحاح ثلاثة رؤساء وزراء في إسرائيل هم بنيامين نتنياهو وإيهود باراك وارييل شارون وحتي الإدارة الأمريكية توسطت عند مصر للإفراج عنه، قامت بالفعل السلطات المصرية بالإفراج عن جاسوس إسرائيل الأشهر وتسليمه إلى تل أبيب؛ مقابل إفراج إسرئيل عن ستة مصريين كانوا قد تسللوا عبر الحدود في أغسطس من نفس العام.
وفي عام 2000 جري القبض علي الجاسوس ''شريف الفيلالي'' الذي أدين بالتجسس لحساب إسرائيل والكشف عن لقاءات جمعت بينه وضابطين من الموساد، وحكم عليه بالأشغال الشاقة 15 عاماً قضى منها 5 سنوات ثم توفي داخل السجن.
وفي فبراير 2007 تم الكشف عن شبكة تجسس لحساب إسرائيل، تضم طالبا فاشلا بجامعة الأزهر يدعى ''محمد عصام العطار'' الذي حصل علي الجنسية الكندية، وثلاثة ضباط بالمخابرات الإسرائيلية، قاموا بتدريبه على التجسس وكشف بيانات المصريين والعرب المقيمين في الخارج.
وفى 21 إبريل من نفس العام، أصدرت محكمة أمن الدولة العليا حكما بالسجن لمدة 15 عاما على العطار، كما صدر حكم مماثل على الضباط الإسرائيليين الثلاث ويحاكمون غيابيا.
ومع نفس الأسبوع الذي صدر فيه الحكم على ''العطار''، تم الكشف عن قضية تجسس جديدة تورط فيها ''محمد سيد صابر'' المهندس بهيئة الطاقة الذرية، والذي حكم عليه بالسجن المؤبد لمدة 25 عاما بعد اتهامه بالتجسس لصالح إسرائيل وإفشاء أسرار المفاعلات النووية المصرية، وشمل الحكم أيضا سجن ياباني وأيرلندي الذين لعبا دورا في تجنيد ''صابر'' ، وقدم دفاع المتهمين طعناً على الحكم أمام محكمة النقض ولكن رفضته المحكمة.
وبعد 3 سنوات تم اكتشاف قضية التجسس المثارة في هذه الأيام؛ قضية المتهمة المصري ''طارق عبد الرازق حسين حسن'' الذي أوضحت تحقيقات النيابة العامة أنه قام بإرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى جهاز المخابرات الإسرائيلية يعرض عليهم مساعدتهم والعمل كجاسوس وأرسل فيها بياناته، بعدما سافر للصين في 2006 للبحث عن فرصة عمل وأنشأ هناك شركة استيراد كغطاء لنشاطه وموقع علي الإنترنت باسم ''هوشتك''، وهو ما لم ينكره طارق في تحقيقات النيابة معترفاً بذلك.
يذكر أن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يادلين، صرح خلال مراسم تسليم مهام منصبه للجنرال، أفيف كوخافى، بأن مصر هى الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات العسكرية والعامة الإسرائيلية.
وأضاف يادلين في تصريحاته: ''لقد تطور العمل فى مصر حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979. فقد أحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية فى أكثر من موقع، ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة إلى أكثر من شطر، لتعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، ولكى يعجز أى نظام يأتى بعد حسنى مبارك فى معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشى فى هذا البلد''.
يجدر الإشارة إلى أن القانون المصري يضم 105 جريمة عقوبتهم الإعدام، ومن هذه الجرائم؛ التجسس لصالح دولة أجنبية في حالة حرب، أما التجسس لدولة في حالة سلم مع مصر كـ''إسرائيل'' فالعقوبة تكون أقصاها السجن 15 عاماً، وهو ما حدث في كل القضايا التي سردناها باستثناء قضية المهندس المصري بهيئة الطاقة الذرية الذي حكم عليه بالسجن المؤبد 25 عاماً.